وصلتنى هذه الرسالة اللماحة من د. يحيى نورالدين طراف، الذى دائماً يلتقط لقطات ذكية صادرة من عقلية تحليلية، لا تأخذ بظاهر الأمور بل تنزل إلى العمق، تقول الرسالة:

«(إذا حضر الماء بطل التيمم).. تلك قاعدة فقهية معروفة لا اختلاف حولها، ومن عجب أن نواب الشعب الذين أصروا على إضافة عبارة (بما لا يخالف شرع الله) إلى اليمين الدستورية، خالفوها عمداً وهم يعلمون، فالماء هنا هو البرلمان المنتخب، والتيمم هو المجلس العسكرى وإعلانه الدستورى.. كنا نتوقع أن يسقط نواب الشعب المنتخبون، فور حلفهم اليمين، إعلان مارس الدستورى، ويرسموا خريطة الطريق للمرحلة الحالية فوراً بما يلائم مصلحة البلاد وقد ألقت إليهم مقاليد النهى ملايين الشعب التى انتخبتهم، لكنهم جحدوا نعمة الله، إذ فجر تحت أقدامهم ماءً طهوراً فأبوا إلا أن يظلوا على تيممهم فى حضوره، ونحوا جانباً شرعية الشعب التى خلعها عليهم، وجددوا الولاء للمجلس العسكرى وشكروه على أنعمه عليهم.

حين تولى العسكر حكم البلاد فى 11 فبراير 2011، فعلوا ذلك بشرعية الثورة وبشرعية الشعب بزعمهم، فدستور 71 لا ينص على تخلى الرئيس لهم، ومن ثم أسقطوه بعد يومين أيضاً بشرعية الشعب وثورته، فاليوم عادت الشرعية رسمياً للشعب فى أشخاص نوابه المنتخبين، بعد انتخابات يشهد ـ أول من يشهد ـ بنزاهتها وجماهيريتها المجلس العسكرى نفسه، الذى أشرف عليها. فكما أسقط العسكر دستور 71 باسم الشعب، فها هو الشعب نفسه ينطق عنه نوابه تحت القبة، وهم أرسخ قدماً دستورياً من المجلس العسكرى المعين، فما بالهم قد قعدوا عن تحمل مسؤولياتهم التاريخية وإسقاط إعلان مارس والتزام طريق الشعب؟!

هذا يوم وأداء تم الإعداد لهما جيداً منذ ضم صبحى صالح وطارق البشرى لعضوية لجنة الدستور، ثم باستفتاء مارس على تسع مواد باقة واحدة بصياغة وشكل جعلت ملايين البسطاء يصوتون للمادة الثانية والإسلام بـ(نعم) ضد الملاحدة العلمانيين والمسيحيين، كما أُلقى فى روعهم، ثم بإعلان دستورى من نيف وستين مادة والشعب لم يوافق إلا على تسع.

ثم ما لبثت خريطة الطريق أن أخذت منعطفاً يمهد للنهاية المتوقعة، حين فاجأ المخاض جماعة الإخوان على غير حمل قبل انتخابات البرلمان، لتضع وليداً قد بلغ بالفعل أشده وبلغ أربعين سنة فى عنفوان القوة اسمه حزب الحرية والعدالة، ولم يك من قبل شيئاً مذكورا.. فتغاضى العسكر عن هذه الظاهرة الطبيعية الخارقة وأختها فى ولادة الحزب السلفى، ثم خلط الدين بالسياسة جهاراً نهاراً لغرض علمناه اليوم. ثم جاءت مرحلة الترشح والتصويت، فحدث ولا حرج عن المخالفات واستخدام المساجد والأموال للناخبين (المؤلفة قلوبهم) واصطياد البسطاء الذين خرجوا من بيوتهم لا يلوون على شىء سوى الهروب من الغرامة.

كان هم المجلس العسكرى الأكبر وهو يرسم خريطة الطريق إبعاد الثوار الحقيقيين الذين أسقطوا مباركاً ونظامه عن البرلمان الجديد، فلا طاقة له بهم، فهم كخلايا من السرطان لا تجد الضمام، وإدخال بدلاً منهم قوى سياسية منظمة تطيع كبراءها طاعة عمياء وتنفذ تعليماتها، وهذه القيادات بدورها يستطيع المجلس العسكرى أن يتفاهم معها ويحتويها. وقد كان».